الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أو الأنصار، أو هم المهاجرون، أو أحياء من اليمن من كندة وبجيلة وأشجع لم يكونوا وقت النزول قاتل بهم أبو بكر في الردة، أو القربى، أو علي بن أبي طالب قاتل الخوارج أقوال تسعة.وفي المستدرك لأبي عبد الله الحاكم بإسناد: أنه لما نزلت أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري فقال قوم: هذا.وهذا أصح الأقوال، وكان لهم بلاء في الإسلام زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة فتوح عمر على أيديهم.وقرأ نافع وابن عامر: من يرتدد بدالين مفكوكًا، وهي لغة الحجاز.والباقون بواحدة مشددة وهي لغة تميم.والعائد على اسم الشرط من جملة الجزاء محذوف لفهم المعنى تقديره: فسوف يأتي الله بقوم غيرهم، أو مكانهم.ويحبونه معطوف على قوله: يحبهم، فهو في موضع جر.وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون حالًا من الضمير المنصوب تقديره: وهم يحبونه انتهى.وهذا ضعيف لا يسوغ مثله في القرآن.ووصف تعالى هؤلاء القوم بأنه يحبهم ويحبونه، محبة الله لهم هي توفيقهم للإيمان كما قال تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان} وإثابته على ذلك وعلى سائر الطاعات، وتعظيمه إياهم، وثناؤه عليهم، ومحبتهم له طاعته، واجتناب نواهيه، وامتثال مأموراته.وقدم محبته على محبتهم إذ هي أشرف وأسبق.وقال الزمخشري: وأما ما يعتقده أجهل الناس وأعداهم للعلم وأهله، وأمقتهم للشرع، وأسوأهم طريقة، وإن كانت طريقته عند أمثاله من السفهاء والجهلة شيئًا وهم: الفرقة المنفعلة والمتفعلة من الصوف وما يدينون به من المحبة والعشق والتغني على كراسيهم خربها الله، وفي مراقصهم عطلها الله، بأبيات الغزل المقولة في المردان الذين يسمونهم شهداء الله وصعقاتهم التي تشبه صعقة موسى عند دك الطور، فتعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.ومن كلماته كما أنه بذاته يحبهم، كذلك يحبون ذاته، فإن الهاء راجعة إلى الذات دون النعوت والصفات.ومنها الحب شرطه أن تلحقه سكرات المحبة، فإذا لم يكن ذلك لم يكن فيه حقيقة انتهى كلام الزمخشري رحمه الله تعالى.وقال بعض المعاصرين: قد عظم أمر هؤلاء المنفعلة عند العامة وكثر القول فيهم بالحلول والوحدة، وسر الحروف، وتفسير القرآن على طريق القرامطة الكفار الباطنية، وادعاء أعظم الخوارق لأفسق الفساق، وبغضهم في العلم وأهله، حتى أن طائفة من المحدثين قصدوا قراءة الحديث على شيخ في خانقاتهم يروي الحديث فبنفس ما قرأوا شيئًا من حديث الرسول.خرج شيخ الشيوخ الذين هم يقتدون به، وقطع قراءة الحديث، وأخرج الشيخ المسمع والمحدثين وقال: روحوا إلى المدارس شوشتم علينا.ولا يمكنون أحدًا من قراءة القرآن جهرًا، ولا من الدرس للعلم.وقد صح أنّ بعضهم ممن يتكلم بالدهر على طريقتهم، سمع ناسًا في جامع يقرؤون القرآن فصعد كرسيه الذي يهدر عليه فقال: يا أصحابنا شوشوا علينا، وقام نافضًا ثوبه، فقام أصحابه وهو يدلهم لقراء القرآن، فضربوهم أشد الضرب، وسلّ عليهم السيف من اتباع ذلك الهادر وهو لا ينهاهم عن ذلك.وقد علم أصحابه كلامًا افتعلوه على بعض الصالحين حفظهم إياه يسردونه حفظًا كالسورة من القرآن، وهو مع ذلك لا يعلمهم فرائض الوضوء، ولا سننه، فضلًا عن غيرها من تكاليف الإسلام.والعجب أن كلًا من هؤلاء الرؤوس يحدث كلامًا جديدًا يعلمه أصحابه حتى يصير لهم شعارًا، ويترك ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدعية المأثورة المأمور بها.وفي كتاب الله تعالى على غثاثة كلامهم، وعاميته، وعدم فصاحته، وقلة محصوله، وهم مستمسكون به كأنه جاءهم به وحي من الله.ولن ترى أطوع من العوام لهؤلاء يبنون لهم الخوانق والربط، ويرصدون لهم الأوقاف، وهم أبغض الناس في العلم والعلماء، وأحبهم لهذه الطوائف.والجاهلون لأهل العلم أعداء.{أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} هو جمع ذليل لا جمع ذلول الذي هو نقيض الضعف، لأن ذلولًا لا يجمع على أذلة بل ذلل، وعدي أذلة بعلى وإن كان الأصل باللام، لأنه ضمنه معنى الحنو والعطف كأنه قال: عاطفين على المؤمنين على وجه التذلل والتواضع.قيل: أو لأنه على حذف مضاف التقدير: على فضلهم على المؤمنين، والمعنى أنهم يذلون ويخضعون لمن فضلوا عليه مع شرفهم وعلو مكانهم، وهو نظير قوله: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} وجاءت هذه الصفة بالاسم الذي فيه المبالغة، لأن أذلة جمع ذليل وأعزة جمع عزيز، وهما صفتا مبالغة، وجاءت الصفة قبل هذا بالفعل في قوله: {يحبهم ويحبونه} لأن الاسم يدل على الثبوت، فلما كانت صفة مبالغة، وكانت لا تتجدد بل هي كالغريزة، جاء الوصف بالاسم.ولما كانت قبل تتجدد، لأنها عبارة عن أفعال الطاعة والثواب المترتب عليها، جاء الوصف بالفعل الذي يقتضي التجدد.ولما كان الوصف الذي يتعلق بالمؤمن أوكد، ولموصوفه الذي قدم على الوصف المتعلق بالكافر، ولشرف المؤمن أيضًا.ولما كان الوصف الذي بين المؤمن وربه أشرف من الوصف الذي بين المؤمن والمؤمن، قدّم قوله يحبهم ويحبونه على قوله: أذلة على المؤمنين.وفي هذه الآية دليل على بطلان قول من ذهب إلى أن الوصف إذا كان بالاسم وبالفعل لا يتقدم الوصف بالفعل على الوصف بالاسم إلا في ضرورة الشعر نحو قوله:
إذ جاء ما ادعى أنه يكون في الضرورة في هذه الآية، فقدم يحبهم ويحبونه وهو فعل على قوله: أذلة وهو اسم.وكذلك قوله تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} وقرئ شاذًا أذلة، وهو اسم وكذا أعزة نصبًا على الحال من النكرة إذا قربت من المعرفة بوصفها.وقرأ عبد الله: غلظاء على الكافرين مكان أعزة.{يجاهدون في سبيل الله} أي في نصرة دينه.وظاهر هذه الجملة أنها صفة، ويجوز أن تكون استئناف أخبار.وجوز أبو البقاء أن تكون في موضع نصب حالًا من الضمير في أعزة.{ولا يخافون لومة لائم} أي هم صلاب في دينه، لا يبالون بمن لام فيه.فمتى شرعوا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أمضوه لا يمنعهم اعتراض معترض، ولا قول قائل هذان الوصفان أعني: الجهاد والصلابة في الدين هما نتيجة الأوصاف السابقة، لأنّ من أحب الله لا يخشى إلا إياه، ومن كان عزيزًا على الكافر جاهد في إخماده واستئصاله.وناسب تقديم الجهاد على انتفاء الخوف من اللائمين لمحاورته أعزة على الكافرين، ولأن الخوف أعظم من الجهاد، فكان ذلك ترقيًا من الأدنى إلى الأعلى.ويحتمل أن تكون الواو في: ولا يخافون، واو الحال أي: يجاهدون، وحالهم في المجاهدة غير حال المنافقين، فإنهم كانوا موالين لليهود، فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود وتخاذلوا وخذلوا حتى لا يلحقهم لوم من جهتهم.وأما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله، لا يخافون لومة لائم.ولومة للمرة الواحدة وهي نكرة في سياق النفي.فتعم أي: لا يخافون شيئًا قط من اللوم.{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} الظاهر أنّ ذلك إشارة إلى ما تقدّم من الأوصاف التي تحلى بها المؤمن.ذكر أنَّ ذلك هو فضل من الله يؤتيه من أراد، ليس ذلك بسابقة ممن أعطاه إياه، بل ذلك على سبيل الإحسان منه تعالى لمن أراد الإحسان إليه.وقيل: ذلك إشارة إلى حب الله لهم وحبهم له.وقيل: إشارة إلى قوله: أذلة على المؤمنين، وهو لين الجانب، وترك الترفع على المؤمن.قال الزمخشري: يؤتيه من يشاء ممن يعلم أنّ لطفًا انتهى.وفيه دسيسة الاعتزال.ويؤتيه استئناف، أو خبر بعد خبر أو حال.{والله واسع عليم} أي واسع الإحسان والإفضال عليم بمن يضع ذلك فيه. اهـ. .من فوائد الألوسي في الآية: قال رحمه الله:{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} شروع في بيان حال المرتدين على الإطلاق بعد أن نهى سبحانه فيما سلف عن موالاة اليهود والنصارى، وبين أن موالاتهم مستدعية للارتداد عن الدين، وفصل مصير (أمر) من يواليهم من المنافقين قيل: وهذا من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل وقوعها، فقد روى أنه ارتد عن الإسلام إحدى عشرة فرقة، ثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو مدلج.ورئيسهم ذو الخمار وهو الأسود العنسي كان كاهنًا تنبأ باليمن واستولى على بلاده فأخرج منها عمال النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب عليه الصلاة والسلام إلى معاذ بن جبل وإلى سادات اليمن، فأهلكه الله تعالى على يدي فيروز الديلمي بيته فقتله، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ليلة قتل فسر به المسلمون وقبض عليه الصلاة والسلام من الغد، وأتى خبره في شهر ربيع الأول، وبنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب بن حبيب تنبأ وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام عليك، أما بعد: فإني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشًا قوم يعتدون، فقدم عليه عليه الصلاة والسلام رسولان له بذلك فحين قرأ صلى الله عليه وسلم كتابه، قال لهما: «فما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال، فقال صلى الله عليه وسلم: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما»، ثم كتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين»، وكان ذلك في سنة عشر فحاربه أبو بكر رضي الله تعالى عنه بجنود المسلمين وقتل على يدي وحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنهما وكان يقول: قتلت في جاهليتي خير الناس وفي إسلامي شر الناس، وقيل: اشترك في قتله هو وعبد الله بن زيد الأنصاري طعنه وحشي وضربه عبد الله بسيفه، وهو القائل:في أبيات، وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد تنبأ فبعث إليه أبو بكر رضي الله تعالى عنه خالد بن الوليد فانهزم بعد القتال إلى الشام، فأسلم وحسن إسلامه، وارتدت سبع في عهد أبي بكر رضي الله تعالى عنه فزارة قوم عيينة بن حصين وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد ياليل وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة وبعض بني تميم قوم سجاح بنت المنذر الكاهنة تنبأت وزوجت نفسها من مسيلمة في قصة شهيرة، وصح أنها أسلمت بعد وحسن إسلامها.
|